شواطئ الملح - أسامه محمد
بواسطة: urrnina
بتاريخ : الثلاثاء 21-07-2009 11:40 صباحا
لازلت اذكر اليوم والوقت والمكان والشخص الذي أهداني صدفة رواية شواطئ الدم شواطئ الملح للروائي الشهيد إبراهيم حسن ناصر
، وقد يعود سبب تذكري بهذه الدقة رغم السنين الطوال ورغم ما يعرف عني بكثرة النسيان أنني قرأتها في نفس الأجواء تقريبا التي كتبت فيه الرواية وان أحداثها كانت تتطابق بدقة أحيانا وتتقاطع أحيانا أخرى ضمن الواقع الذي كنت أعيشه بفعل عملي والحروب المتكررة على بلادي واذكر أن أول قراءة للرواية استمرت سبع ساعات متواصلة ابتدأتها من الساعة التاسعة مساء وحتى الثالثة صباحا لأحملها في اليوم التالي إلى زميلي رياض الجابر الذي تحمس لوصفي لها ولمجريات أحداثها لتصبح بعد ذلك محور حديثنا الذي لاينتهي مع كل مناسبة نلتقي بها ..
أن الإمكانية المؤثرة التي أستخدمها الراوي في وصفه وتعبيره عبر لغة شاعرية وسهلة استولت على القلب والعقل معا وأنها أعطتني دروسا أساسية في معرفة أسرار هذا الفن الجميل والصعب في نفس الوقت...
((أن أول العاشقين بلا أسى أو الندم وأكثرهم تيها في بحر العيون...أرتل آهات الغرام على الوسائد الخالية أوزع قلبي على مفترق طرق ...أرحل الى أخر حدود العشق أذوب بين همسى الكلمات وارتجف الشفاه الطرية))
لقد منحني إبراهيم حسن ناصر فرصة التعرف على قريته وحياته البسيطة عبر صورة واقعية رسمها بالكلمات ومنحها ألوان جذابة وواقعية الى درجة جعلني أتحين المناسبات والفرص لزيارة((قرية اسديرة)) والتعرف على أصدقائه وأهل بيته وما تبقى له من ذكريات والسؤال عن مكان قبره و الشجرة التي كان يختبئ فيها في صغره ليصطاد صغار العصافير ويآدممن جذعها حبات الصمغ ليصنع منها صمغا يستعمله لدفاتره وكتبه المدرسية ،وأن أسال عن ذلك الشيخ الذي كان في صباه من أمهر العازفين في شبابه على ((ألمطبك)) وكيف انه كان يجوب القرى ليل نهار يبحث عن فرح أو عرس حتى قيل انه من تجواله الدائم يقوم بحلق ذقنه ماشيا حتى لايفوته الوقت ....وكم زادني ألما وهو يصف استشهاد رفيق دربه واحد أبطال روايته ...كاظم الطيار الذي احترق بطائرته السخوي
(متى كانت صداقتنا ؟ كل ما أتذكره أننا ولدنا أصدقاء تسكننا روح واحده ....لكنك أسرعت بالرحيل واخترت طريق النهاية )ص144وكيف إن والده قد غضب عليه ورفض السلام عليه حين أصر كاظم على أن يتزوج من امرأة أحبها ولكن لم تكن قريبته أو من بنات قريته.. تمنيت لو أنني أحظى بلقاء والده لأرجوه أن يصفح عنه ليحضى برضاه الله في عليين بعد أن أكرمه بالشهادة...
أن جرئة ابراهيم بطرحه ورفضه الحرب وهو مقاتل شجاع عاش أحداث حرب الفاو واحتلالها وتعامل مع أوجاعها وموتها بكل تفاصيلها يجعلك لاتستهين بتلك الشجاعة والغرابة وهو يصف رفضه للحرب في زمن الممنوع((الحرب إعصار من نار وحديد يجتاح الأرض لكنه يبدأ من عقول القادة وينتهي في أجساد الجنود في قلوب الأمهات وفي دموع الأرامل))ص
ان وميض الهاونات والمدفعية التي استعان بها الروائي لكتابة روايته في ارض المعركة منحتها نضوجا وتألقا وتعاطفا في مشاركة إحداثها أثناء القراءة وكأنك تقف معه في نفس الموضع الذي يقف فيه و يقاتل منه...
.....
لقد قدر الله لي بعد تلك السنين الطوال أن أتعرف على (( إدريس)) صديق الروائي وقريبه واحد أبناء قريته وقد هالني ماسمعة منه وهو يحفظ الكثير من مقاطع الرواية
وقد دعاني لحضور إحدى نشاطات منتدى اسديرة الثقافي والتعرف أكثر على بيئة الروائي وقد لبيت الزيارة في وقت كان انفلات الأمن والموت في بلادي لايفرق بين الإنسان والحيوان والجماد ...
وقد تكللت الزيارة رغم ضيق وقتها بكل ما كنت ابحث عنه في رأب الفراغات التي أودعها الروائي بروايته واسكنها قلبي ....وكم كانت لحظات ترجلي في مقبرته ممزوجة بالدموع والفرح معا ،،لم أتمالك روحي وجسدي اللذان راحا يرتجفان كورق الخريف أمام قبر من الدوارس طويل ومغطى بالحصى الأبيض .. يعتقد واضعوه وهم من النسوة طبعا أنها تآدمله السكينة في قبره وتبعده عن وحشته ...... تأملت قبر ابراهيم (بوناسته) التي لم يرحمها الزمن و رحت أناجيه كصديق تسكننا روح واحدة وتجمعنا ذكريات عمر طويل تجسدت بعدد القراءات المتكررة للرواية اردد ما كان يقول((نكبر ....نكبركالمأسي ...نرحل كالأنهار ...نحاصر كالدموع في القلوب الجافة ....نتلاشى كأخر السحاب في صيف ملتهب الحر نسقط في انتظار النهاية كالقبور .....يالخسارتي الكبرى...))
أسامه محمد